PacifiquesRelations

من أجل عـصر جديد للشعوب العربية . عصر العزة و الكرامة بعد عقود من الخنوع و الاستكانة لعدو خارجي و و قريب يستهين بكرامة الانسان العربي

Vendredi 4 mars 2011 à 11:16

 
 

لم تعد الولايات المتحدة الأميركية تتحكّم في التطورات السياسية الجارية في العالم العربي، ولم تعد الـ"سي آي أي" تنصّب الحكام فيه، ولم تعد أساطيلها البحرية قادرة على توفير الحماية للأنظمة التابعة لها، في هذه المنطقة من العالم.

وهكذا فقد شهدنا مؤخرا أن الولايات المتحدة الأميركية أدارت ظهرها للأنظمة الموالية لها في المنطقة العربية، وهي تتساقط أو آيلة للسقوط، بقوة ضغط الثورات الشعبية. كما شهدنا الرئيس الأميركي باراك أوباما يشيد، بل ويحتفي، بالثورة الشعبية المصرية، التي غيرت وجه مصر، والتي باتت بمثابة درس للبشرية جمعاء. فما الذي يجري حقًّا؟ وهل باتت الولايات المتحدة مع التغيير الديمقراطي في هذه المنطقة؟ وما هي العوامل التي اضطرّتها إلى ذلك؟ 

في الإجابة عن هذه التساؤلات يمكن القول إن ثمة عوامل عديدة أدت إلى تضاؤل قدرة الولايات المتحدة على التحكم والتدخل في شؤون المنطقة العربية، كما أن ثمة عوامل جديدة اضطرّتها إلى التعامل مع الواقع الجديد المتشكّل فيها. وهذه العوامل يمكن تمثلها بالجوانب الآتية:

العامل الأول، الذي ترتبط به مجمل العوامل الأخرى، يكمن في الثورات الشعبية التي عصفت بالمنطقة العربية (بدءا من تونس ومصر إلى ليبيا واليمن والبقية تأتي)، ذلك أن هذه الثورات فاجأت العالم كله، وضمنه الولايات المتحدة الأميركية، ليس بحدوثها فقط، وإنما بحجمها واتساعها وتنظيمها وسلميتها وقوة التصميم فيها، وأيضا لما كشفت عنه من موروث ثقافي مختزن في القوى الشبابية المحركة لها.

وفي الواقع فإن هذه الثورات كسرت الصورة النمطية السائدة عن المجتمعات العربية المستكينة والمدجنة، فإذا بها تثور على واقع الضيم المحيط بها، بعزيمة لا تلين. وبصورة أكثر تحديدا فإن هذه الثورات أعادت الاعتبار لمفهوم الشعب (في العالم العربي)، بعد أن غيّب في مفاهيم عامة وضبابية، من مثل الجماهير والشارع العربي، أي أنها صيّرت الشعب شعبا حقا، وأعادت صوغ ثقافته، وأعادت صهر شخصيته الوطنية، بعيدا عن الانتماءات الطائفية والمذهبية والإثنية والقبلية والجهوية. 

وبهذا المعنى فإن هذه الثورات أحضرت الشعب من الغياب وانتشلته من واقع التهميش، مبيّنة كذب كل الادعاءات، التي كانت تروّج، لتبرير الأنظمة التسلطية، بعدم قابلية المجتمعات العربية للحداثة والتحول الديمقراطي، وعن أن البديل لأنظمة الاستبداد إنما هو الفوضى أو سيطرة التيارات الدينية المتطرفة (والقاعدة بحسب القذافي).

هكذا، لم يكن بإمكان الإدارة الأميركية، التي كانت مترددة في الأيام الأولى للثورة في تونس ومصر، في هذه الحال إلا الرضوخ لمطالب الشعوب في هذه المنطقة بشأن التغيير السياسي، وتقبّل التحول الديمقراطي فيها.

يجدر التذكير هنا بأن الولايات المتحدة كانت، طوال العقود السابقة، لا تبالي بمشاعر العرب، ولا تأخذهم بعين الاعتبار، لدى محاولاتها فرض إملاءاتها المهينة والمحرجة والمجحفة على الحكام العرب، لإدراكها أن هؤلاء منقطعو الصلة عن مجتمعاتهم، ولأن واقع الاستبداد أضعف هذه المجتمعات وجعلها لا حول لها ولا قوة.

فمثلا، عندما حاول البعض تحذير كوندوليزا رايس (وزيرة الخارجية الأميركية السابقة) من مغبّة الإملاءات التي تحاول فرضها الإدارة الأميركية على الأنظمة العربية الموالية لها (في حقبة غزو العراق)، تساءلت بغرابة: أين هو الشارع العربي؟ وبالمثل فإن إسرائيل كانت لا تبالي امتهان العرب والحطّ من قدرتهم وانتهاج الغطرسة إزاءهم (لاحظ تجاهلها المبادرة العربية للسلام وتلاعبها بعملية التسوية مع الفلسطينيين)، على أساس غياب ما يسمى الشارع العربي.

هكذا فإن الثورات الشعبية التي اندلعت في أكثر من بلد عربي فاجأت أميركا وإسرائيل والعالم كله، فثمة الآن شعب عربي ينهض لينافح عن حريته وكرامته، وينبغي أخذه بعين الاعتبار.

 

تراجع القدرة الأميركية على الهيمنة
العامل الثاني، يكمن في تراجع قدرة الولايات المتحدة الأميركية على فرض هيمنتها، أو أولوياتها، على العالم، وضمنه العالم العربي، وذلك بحكم تعثر ترتيباتها في المنطقة، من العراق ولبنان إلى اليمن وأفغانستان وباكستان وإيران. ويمكن أن نضيف إلى ذلك العامل الإسرائيلي أيضا، فإذا كانت إسرائيل تعاند السياسة الأميركية، بشأن القضية الفلسطينية، وحتى على مستوى الوقف المؤقت للاستيطان، لتسيير عجلة التسوية، فكيف سيكون عليه الأمر مع إيران أو سورية أو قوى المقاومة للمشاريع الأميركية والإسرائيلية؟

القصد من ذلك ملاحظة حقيقة مفادها أن مكانة الولايات المتحدة في العالم تراجعت كثيرا بسبب أزماتها الاقتصادية والسياسية والأمنية في العالم، وبسبب تعثر قدرتها على إعادة تشكيل الشرق الأوسط وفق مصالحها، وأيضا بسبب عدم قدرتها على لجم سياسات إسرائيل.

ويمكن أن نضيف إلى ذلك أيضا، أن الولايات المتحدة لم تعد بمثابة القطب المهيمن في العالم، بسبب صعود أقطاب دوليين وإقليميين آخرين، فثمة (إضافة إلى الاتحاد الأوروبي) الصين والهند وروسيا والبرازيل والأرجنتين وتركيا وإيران.

ويستنتج من ذلك أن ثورات الشعوب العربية جاءت في لحظة تاريخية مواتية تتمثل بتراجع مكانة الولايات المتحدة، وتضاؤل قدراتها على السيطرة وفرض الإملاءات في العالم، وعلى مستوى العالم العربي.

الأنظمة الاستبدادية عبء على أميركا
العامل الثالث، ويتمثل بوجود تيار في الولايات المتحدة الأميركية يعتقد أنه آن الأوان لمراجعة ركيزة أساسية، من ركائز السياسة الأميركية الخارجية في العالم العربي، وهي التي تتمثل بالحفاظ على استقرار الأنظمة "الصديقة" والموالية لها في هذه المنطقة. وقد برز هذا التيار على خلفية التداعيات الناجمة عن حدث 11 سبتمبر/أيلول 2001، وتنامي خطر الإرهاب على الصعيد العالمي.

ومعلوم أن هذا التيار يضع مسؤولية تنامي خطر الإرهاب على عاتق الأنظمة السائدة في العالم العربي، وهو يعتقد أن هذه الجماعات تتغذى من واقع تفشي الفقر والحرمان، والاستبداد والفساد، في النظم السائدة في البلدان العربية.

وقد استنتجت الدول الكبرى من ذلك (وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأميركية) أن هذا الأمر بات يتطلب إحداث تغييرات سياسية جذرية وحقيقية في هذه النظم، بما في ذلك حثّ عمليات الإصلاح السياسي والاقتصادي فيها، ودفعها نحو مسار التحوّل الديمقراطي.

وينبغي التذكير هنا بأن هذه الاقتناع هو الذي دفع الرئيس الأميركي السابق جورج بوش إلى طرح مبادرات إصلاح النظم السياسية في العالم العربي، وضمنها خطته حول "نشر الديمقراطية" فيه.

لكن خطة بوش تلك لاقت (في حينها) معارضة قوية من حكام البلدان العربية قاطبة، الذين اعتبروها نوعا من التدخل الخارجي في شؤونهم، ومحاولة لضعضعة نظم حكمهم، بل إن هؤلاء باتوا يحرضون على هذه الخطة، بدعوى الحفاظ على الاستقلالية والكرامة الوطنية والخصوصيات المحلية!

لكن معارضة هذه الخطة لم تقتصر على الحكام فقط، إذ إنها شملت المحكومين أيضا، أي أن هذه الخطة لاقت معارضة شديدة من قبل القوى الوطنية وقوى المعارضة في البلدان العربية، بسبب الشبهات التي تحوم حول سياسات الولايات المتحدة في هذه البلدان، وبسبب سياسة الغطرسة التي اتبعها الرئيس بوش، وانتهاجه الطرق القسرية، والقوة العسكرية، في التغيير، وأيضا بسبب غزوه العراق، ودعمه المطلق لإسرائيل في حربها ضد الفلسطينيين.

مع ذلك فإن مسألة تغيير النظم السياسية العربية باتت تلقى قابلية في أميركا, التي أبدت تبرّمها من واقع هذه الأنظمة الفاشلة والفاسدة والمستبدة، وباتت ترى فيها مجرد أنظمة مستهلكة، غير قادرة على الانخراط في النظام العالمي، كما باتت ترى فيها عبئا سياسيا وأمنيا وأخلاقيا عليها، والأهم من كل ذلك أنها باتت ترى في هذه الأنظمة مصدر تهديد لها، أيضا!

إدارة أوباما تحسم باتجاه التغيير
العامل الرابع، ويتمثل بتصادف اندلاع الثورات الشعبية في ظل إدارة الرئيس باراك أوباما، الذي يختلف عن سلفه (بوش الابن)، في الثقافة والسياسة والرؤية، والذي شكل قطيعة مع السياسات الحمقاء التي انتهجها بوش (وحزبه "المحافظون الجدد")، والمتمثلة بتصدير "الثورة"، والتغيير بوسائل القوة، وشن الحروب، والدعم المطلق لإسرائيل، وامتهان العالم العربي، وإثارة النعرات الطائفية والإثنية فيه.

هكذا، اجتمعت لحظة نادرة في التاريخ تمثلت بالثورة الشعبية العارمة في بلدان تونس ومصر وليبيا واليمن وغيرها، مع إدراك الولايات المتحدة لواقع تضاؤل قدرتها على السيطرة، ومع ميل الولايات المتحدة للتحرر من عبء أنظمة باتت خارج التاريخ، وكل هذه العوامل اضطرت إدارة أوباما، التي تبدو متعاطفة إلى حد ما مع القضايا العربية (بغض النظر عن مدى قدرتها على ترجمة نواياها)، إلى الحسم باتجاه تقبل التحول الديمقراطي في النظم العربية.

ولعل كل ذلك يفسر أننا شهدنا خلال الأيام الأولى للثورة المصرية مفارقة صارخة تتمثل في قيام النظام المصري السابق، الذي كان يقدم الخدمات المجانية للسياسة الأميركية، والذي كان طوال حكم مبارك (أي طوال ثلاثين عاما)، طوع الإملاءات السياسية الأميركية في الشرق الأوسط، يتحدث بكل تبجّح عن رفضه التدخلات الأميركية في الشؤون الداخلية لمصر، إلى درجة وصل معها حد اتهامه الثورة الشعبية المصرية بأنها إنما تتحرك بأياد خارجية، ضمنها أيادي الولايات المتحدة الأميركية، وهي الأكاذيب التي لم تنطل على أحد.

في هذا الإطار يمكن ملاحظة أن خطاب الرئيس الأميركي باراك أوباما، الذي جاء تعقيبا على ثورة الشعب المصري التي أطاحت بالرئيس حسني مبارك، كان لافتا جدا في مضامينه، حيث إنه تجاوز الأعراف والتعابير الدبلوماسية، التي اعتادت عليها الإدارات الأميركية، في مثل هذه المناسبات.

ففي هذا الخطاب ذهب أوباما إلى حد تمجيد هذه الثورة، والاحتفاء بمعانيها، واعتبارها مفصلا مهما في تاريخ العالم، طالبا من الشعب الأميركي التعلم من المصريين. علما بأن الحدث، موضوع الخطاب، لا يتعلق بإسقاط نظام محسوب على الإدارة الأميركية فحسب، وإنما يتعلق بإسقاط واحد من أهم الأنظمة التي تعتبر من أركان السياسة الخارجية للولايات المتحدة في هذه المنطقة.

ومما قاله أوباما في خطابه، مثلا: "هناك لحظات قليلة جدا في حياتنا حيث لدينا امتياز أن نشهد التاريخ يحدث. هذه إحدى اللحظات.. شعب مصر تكلم، وأصواته قد سمعت، ومصر لن تكون ذاتها أبدا.. هذا يعني رفع حال الطوارئ ومراجعة الدستور وقوانين أخرى تجعل هذا التغيير لا رجعة فيه، ووضع أسس طريق واضح لانتخابات عادلة.. هناك شيء في الروح يصرخ من أجل الحرية (مقتبسا من مارتن لوثر كينغ).. كلمة تحرير (قالها بالعربية) ستذكرنا إلى الأبد بالشعب المصري، بما فعله، بالأشياء التي وقفوا من اجلها وكيف غيروا بلدهم، وبهذا غيروا العالم.. لقد ألهمنا الشعب المصري".

هكذا، فإن ثورات الشعوب العربية التي أسهمت في تحرير المجتمعات العربية من واقع التسلط والفساد، وأعادت لها كرامتها وثقتها بنفسها، ووضعت العالم العربي على سكة الحرية والمستقبل، بيّنت، أيضا، أن المنطقة العربية لم تعد لعبة في يد الولايات المتحدة الأميركية (والسي آي أي)، تحركها كما تشاء، كما كان يعتقد البعض، وأن هذه المنطقة باتت قادرة على تقرير مصيرها بنفسها.

والأهم من كل ذلك فإن ثورة الشعوب العربية أثبتت أنها قادرة حتى على دفع الولايات المتحدة الأميركية، وكل القوى الدولية وفي العالم، إلى مراجعة سياساتها في هذه المنطقة، على أساس احترام إرادة هذه الشعوب، والرضوخ لطموحاتها في الحرية والكرامة والعدالة والمساواة.

Lundi 14 février 2011 à 23:02

 

 

 

 

                          ثورة الشعب الطيب

 
في مصر كما في تونس، يا لها من عبقرية سياسية للشعب، عندما يرسل إليه الجيش، يستشعر الكمين، فيحيط بالجيش ويغمره بدفئه الإنساني وبحشوده، وتغطس المدرعات كالجزر وسط هذا البحر الشعبي، وتصير مسالمة، غير مؤذية، قريبة من السكينة. وعلى بعضها تكتب أيدي الشعب الخفية ما يشبه الدعابة: "يسقط مبارك". الشعب يحتضن جنوده. أليسوا منه. عندما أرسل الحكم الجيش، خاطر بحدوث تآخيه مع الشعب.

لكن حذار: لم يتم حسم أي أمر حتى الآن: في تونس، لا يكون الوزير الأول الغنوشي واثقا من نفسه، لو لم يتلق ضمانات من القيادة العسكرية. إنه يناور بغية إنقاذ النظام، متظاهرا بالتواضع، مسايرا للأسلوب الديمقراطي الجديد. في البداية قام بتشكيل حكومة "اتحاد وطني" أغلبيتها الساحقة من التجمع الدستوري، ثم أقدم على تغييرها، فبدت الخطوة كأنها تنازل وهلل الناس للنصر، قمة الفن. 

                        

لم يتوقعوا شيئـا

يجري بث صور الموجة الديمقراطية العربية على قناة الجزيرة، دون توقف. لقد اتضح أخيرا أن النظم العربية لا مهمة لها سوى أداء دور السد لاحتجاز إرادة شعوبها، فباتت المعضلة بالنسبة لها كما بالنسبة للقوى الغربية هي التالية: إذا فتحوا السد، يخاطرون بأن تجرفهم المياه الهادرة وإذا أغلقوه، يخاطرون بانهياره تحت ضغط الموجة الشعبية. الشاه مات. الآن أصبح الأمر لا لبس فيه. إن العالم العربي في منعرج تاريخي. قد يأخذ وقتا أو لا يأخذ، لكنه مؤكد.

الغرب يخاف الديمقراطية في البلدان العربية. ما يبعث فينا أملا عظيما يثير لديه بالعكس الخوف. إن سطوته العسكرية جعلته لا يتوقع شيئا. أوباما، الذي طالما تمنينا أن... نحبه، ينتبه فجأة إلى أن الحكم المصري ليس ديمقراطيا ويتذكر حقوق الإنسان ويطالب بها على عجل، يوم الجمعة، وقلبه على إسرائيل قبل غيرها. وفي اليوم التالي، يجتمع بمجلسه الأمني وهيئة أركان جيشه إلا أنهم يفتقدون لبديل عن مبارك.

                   

جنرال آخر، محمد البرادعي، كان الأخير موظفا بالأمم المتحدة بين 1964 و1974 ومشاركا في اتفاقات كامب ديفد عام 1978، بصفته مستشارا خاصا لوزير الخارجية المصرية بحكومة السادات، ثم قضى ربع قرن بالخارج، في رفاه الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وهو عندما يتحدث ينطق بالإنجليزية، كما تعود، بما في ذلك في القاهرة.

إنها شخصية تبدو باهتة، رغم حصوله على جائرة نوبل التي لا تمل الوسائط الغربية عن التذكير بها، مع العلم أنها منحت في الواقع لتلك الوكالة.

هناك من يروج أيضا أنه أبدى معارضة شجاعة للرئيس بوش بشأن كذبة أسلحة الدمار الشامل في العراق. غير أن ما بقي بالذاكرة هو أنه كان أقل شجاعة وعزم من زميله الرائع السويدي هانس بليكس، كما أنه لا يبدو ثابت الخطى في مصر وواثق النفس وسط الشعب.

             

في ساحل العاج، جيء كذلك بموظف دولي، بمدير سابق في صندوق النقد العالمي الحسن وتارا، لإنقاذ ما أمكن. إنه الفصل الجديد في باب استخدام الموظفين الدوليين.

من جهتها، تحاول فرنسا محو الأثر الذي تركته صرخة إنقاذ بن علي، المنبعثة من أعماق قلب وزيرة شؤونها الخارجية. لقد سارعت في هذه المرة إلى التنديد بقمع المظاهرات في مصر، استعدادا للتخلي عن مبارك مثلما تخلت عن بن علي بين ليلة وضحاها. فطالما كان الاثنان في خدمتها، كما كان الحال بالنسبة لمشروع الاتحاد من أجل البحر الأبيض المتوسط، كانا وجهة ابتساماتها ومداهناتها. فرنسا لا تحسب للعواطف حسابا. ليكن هذا في علم الخدام الآخرين.

ثم إن وسواس فرنسا، اليمين واليسار الرسميين على حد سواء، مصدره الوضع في بلاد المغرب قبل كل شيء، لأنها لا شيء من دون هذه المنطقة. يتضح هذا فجأة على ضوء القلق الشديد الذي ينتابها. إنها نهاية مرحلة تاريخية، بلا جدال، مرحلة سيطرة أوروبا. قطعة صغيرة جدا كانت تسيطر على بقية العالم. كان هذا يدهشني باستمرار كلما طالعت الخريطة. اليوم الصين، الهند، كوريا الجنوبية، تركيا، إيران، البرازيل، الفيتنام، ماليزيا، آسيا... إلخ. تصعد وتنمو اقتصاديا بسرعة كبيرة. الأمور تعود إلى نصابها وإلى مقاساتها الصحيحة في هذا القرن الـ21. التاريخ يسرع خطاه.

                                             

الإنترنت، الجوال، فيسبوك، تويتر، تعرضت لحظر نظام مبارك. الدكتاتوريات العربية تخاف تقدم التكنولوجيا، تتوهم أن الإنترنت مصدر ذعرها فتحمله مسؤولية التمرد الشعبي. وعندما يدرك النظام المصري أن الشعب، من جهته، يشاهد التلفزيون، يقطع إرسال الجزيرة على نايل سات. الطبع غلاب.

في الغرب أيضا، ويكيليكس بعثت رعشة برد في الأوساط الحاكمة. الإرهاب يستعمل يوميا كذريعة لتبرير مشاريع الرقابة على الرأي العام، على الإنترنت والصحف الإلكترونية، فيجري تحويل الإعلام الرقمي إلى سلاح من أجل الديمقراطية من قبل الشباب. أهو قرن الشفافية الحقيقية؟ ربما.

إنها الشفافية أيضا، تلك التي تجسدت في نشر 1600 وثيقة عن المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية من قبل قناة تلفزيون الجزيرة وجريدة الغارديان البريطانية.

وثائق مزورة؟ وثائق صحيحة؟ المشكل الحقيقي، في الواقع، هو أن لهذه الوثائق وللخيانة التي تكشفها مصداقية لأن محمود عباس وأصدقاءه الفلسطينيين والمصريين بلا مصداقية، كونهم فقدوا ثقة الشعب الفلسطيني والشعوب العربية بالضبط كما فقدتها الأنظمة العربية التي أثرت فيهم للأسف. هل كانت هذه الوثائق ستحظى بالمصداقية لو خصت حماس؟

ثورة شعبية و ثورة ثقافية

يجب أيضا الحديث عن الجانب الثقافي لهذه الثورة الديمقراطية العربية. الأنظمة البوليسية اضطهادية لأن تسييرها قائم على الخوف، أو بالأحرى على وهم الخوف، لأنها هشة, إننا نندهش في كل مرة من مشاهدة انهيارها كقصور الورق. والحال إن الخوف يعزل الناس عن بعضهم البعض والثورة هي بالعكس عرس، بل أكبر الأعراس، إذ تقرب بين الناس. في الشارع، في المظاهرات، في الحركة الشعبية، الناس يتحادثون، يتواصلون، يكتشفون متعجبين أنهم يفكرون في نفس الشيء، يحفزون بعضهم، يبدون ذكاء جماعيا، يبدعون. في كل مكان عطش للكلمة، للتعبير، للقول. في تونس، يبدو كل تونسي خطيبا.

فالثورة ثقافية كذلك، والشعب يكافح أيضا بلغته وثقافته. كان نظام بن علي يهين الشعب التونسي ثقافيا أيضا حتى أصبحت اللغة الفرنسية جهارا لغة النخب المتغطرسة للنظام وتأشيرة اللحاق بالأوساط القائدة اقتصاديا وماليا. إن قناة تلفزيونية مثل نسمة، المملوكة لطارق بن عمر- أحد المقربين من النظام- تخصصت في تعويض العربية بهجين مكون من مزيج من الفرنسية والعربية بدعوى (كما عندنا في الجزائر) أنها لغة الشارع. إنها دعوى باطلة، لأن الحقيقة هي أن الشارع كان ممنوعا من الكلام واليوم يقوم الشارع التونسي بالثورة، بواسطة لغته.

                                                                                                                  

كنت أشاهد قناة نسمة المذكورة أثناء الأيام الأولى للثورة، وكنت أبتسم جراء البهلوانيات اللغوية للمنشط. كان يجد صعوبة متزايدة في الاحتفاظ بتلك الرطانة الفرنسية العربية وهو يدعو، في نفس الوقت، ممثلين شعبيين للثورة إلى المشاركة في حصته. كان الانشقاق الثقافي قد أصبح أيضا انشقاقا اجتماعيا وكان الشعب يقول بالفرنسية "ديكاج" لبن علي وإلى التجمع الدستوري لكنه يخاطب ذويه بالعربية.

في أكتوبر 2010، في مهرجان قرطاج بتونس، كان بالإمكان ملاحظة نفس الانشقاقات، نفس التوترات الاجتماعية الثقافية حول مسألة الاستقلال والكرامة الوطنية.

لقد ندد سينمائيون توانسة كثيرون بعملية تحريف المهرجان عن هدفه إذ كان في الأصل مهرجانا عربيا وأفريقيا للتحرر الوطني ضمن سياق عقد الستينيات وإذا به تحول إلى مهرجان فرنكوفوني، تحت النفوذ الفرنسي.

فالمشرفة عليه -وهي معينة من الحكومة التونسية- كانت هي نفسها المعينة من فرنسا لإدارة صندوق الجنوب، إحدى الهيئات التابعة لوزارة الشؤون الخارجية الفرنسية ولدعم سينما الجنوب.

بالنسبة لكثير من الناس كان هناك نزاع مصالح، وهذا يفسر ذاك. يوم 26 أكتوبر بفندق أفريكا، جمعت سفارة فرنسا أوساطا من السينما التونسية. وقام فريدريك ميتران، الوزير الفرنسي للثقافة، بالظهور في الاجتماع الذي كان يترأسه سرج مواتي، من القناة الفرنسية، فرانس 5. على المنصة جلس أيضا مخرج تونسي معروف بنزعته الفرنكوفيلية وتوجه للحضور قائلا: "البعض يستنجد لأن فرنسا عائدة، أنا أقول فرنسا تعود لحسن الحظ". 

                             

وضوح يصيب المرء بالذهول: لا حاجة للبحث عن الاستعمار الجديد. إنه هنا متبنى بلا لبس. فهناك من بين الرسميين التونسيين لقطاع الثقافة من كانوا "يدعون فرنسا والثقافة الفرنسية للعون ضد غزو الفضائيات العربية" لأن "النضال ضد الأصولية هو نضال مشترك".

بلغ التوسل الذليل مبلغا أحرج الفرنسيين أنفسهم وجعل أحدهم يلاحظ: "نحن لا نستطيع أن نفكر بدلا منكم"، بينما أسر مخرج تونسي لصديقه الجزائري "انظر، انظر جيدا، ها هو الطابور الخامس، ها هو مستوى الدناءة الذي نعانيه في بلدنا". «بعد شهرين من ذلك انفجرت الانتفاضة التونسية".

في تونس وفي مصر، كان هناك نفس الشعور بالاحتقار ونفس العزم على الدفاع عن الكرامة الوطنية. الأشكال وحدها تختلف بحسب السياق: في مصر ضد العار الذي جلبه الخضوع لإسرائيل، في تونس ضد استمرار وعودة الأشكال الثقافية، الاقتصادية والسياسية للاستعمار. 

الشاه مات كذلك في لعبة تحريض الشعوب العربية ضد بعضها البعض. منذ وقت ليس ببعيد، جرت محاولة إثارة الشبيبتين الجزائرية والمصرية الواحدة ضد الأخرى، في صراع بين إخوة من أجل مباراة لكرة القدم، من أجل هدف سجل في مرمى عوضا عن المرمى الآخر.

                           

اليوم جاء الرد لاذعا إلى كل الذين أخذوا رغباتهم على أنها الحقيقة واعتقدوا أنهم أسسوا لبغضاء مديدة بين الشعبين. كم يبدو تافها اليوم الاحتقار الموجه هنا للمصريين والموجه هناك للجزائريين، وكم تبدو تافهة اليوم محاولات إقناعنا بالتخلي عن التضامن والوحدة العربية.

فحتى الطريقة التي انتشرت بها الانتفاضة التونسية عبر العالم العربي ذات دلالة ثقافية، دلالة الوعي، ليس لدينا فقط، وإنما لدى بقية العالم كذلك: الوعي بمصير عربي مشترك، الذي تكشف الأحداث الراهنة بديهيته.

إن لفظ الانتفاضة ذاته الذي يوحد الشبيبة العربية، من فلسطين إلى تونس، وذروة الاحتجاج عند التضحية بالنفس من المغرب إلى اليمن، مرورا بموريتانيا، تونس، الجزائر، مصر، من خلال ذاك الفعل الرهيب، المتكرر، المقلد من أقصى العالم العربي إلى أقصاه، يرددان نفس الصرخة، نفس الرفض للإهانة، نفس الطموح إلى الكرامة الجماعية والفردية وإلى العدالة.

هذه الثورة تجري، بالمعنى الحقيقي للكلمة، من بلاد عربية إلى بلاد عربية أخرى وتجوب أرجاءها، فتتسبب في ارتجاجها كلها، بما فيها تلك التي تبدو صامتة، إلى حد أنها تظهر كأنها نفس الثورة، لأن الرسالة واحدة، المبعوثة والمفهومة بنفس اللغة، نفس الثقافة. العالم العربي استيقظ. الباقي مسألة وقت

<< Page précédente | 1 | Page suivante >>

Créer un podcast